الثقافة اليونانية ظاهرة فريدة في العالم القديم، فأصولها في البر اليوناني ولكنها امتدت على مساحة اشتملت على إيطاليا والبلقان وآسيا الصغرى وجزر المتوسط، ومع فتوح الاسكندر الكبير تهلينت مصر والشام، ووصلت المؤثرات اليونانية إلى أطراف الصين في آسيا الوسطى وإلى وادي السند. وعندما نشأت روما كمولودٍ يوناني أوصلت المؤثرات اليونانية إلى كل مكان من أصقاع الامبراطورية. وقد شاركت المناطق ذات التاريخ العريق، مثل سورية ومصر وآسيا الصغرى، أكثر من غيرها في إغناء الثقافة اليونانية، فقد رحل الفينيقي زيتون إلى اليونان وأسس في أثينا عقر دار الفكر اليوناني فلسفته الرواقية، كما أنجبت الأرض السورية عدداً من المفكرين الذين رفدوا الفلسفة اليونانية، مثل داماسكيوس الدمشقي، وفيلو نايدوس اللاوديسي من اللاذقية، وبوزيدونيوس الأفامي من أفاميا. وفي مصر شهدت الاسكندرية أخر صحوة للفلسفة اليونانية في القرن الثالث الميلادي على يد أفلوطين الوناني مؤسس الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، التي أينعت ثمارها في سورية على يد عدد من تلامذة أفلوطين، مثل فورفويوس الصوري من صور، ولونجينيوس الحمصي الذي كان مستشاراً للملكة زنوبيا، ويامبليخوس من قنسرين الذي عاش في أفاميا، وكان من أهم أعماله هذا الكتاب الذي تقدمه دار التكوين لقرائها في ترجمة تتمتع بالدقة وجمال الأسلوب، وفيه يقدم لنا المؤلف السحر لا باعتباره مجموعة من الخزعبلات والممارسات التي لجأ إليها الأنسان في طفولته العقلية، بل باعتباره منظومة معرفية تهدف إلى فهم العالم، أي أنه صفو الفلسفة في مراميها وغاياتها. وستجد القارئ عبر فصول الكتاب كيف يتشابك السحر الذي يتجلى بشكل رئيسي في السيمياء أي الكيمياء السحرية، مع الفلسفة ويغدو الاثنان بمثابة وجهين لشاقل معدني واحد.