تتأسس الحداثة الشعرية العربية، في بعض جوانبها، على تحرير المكبوت، أي على الرغبة، وكل ما يزلزل القيم والمعايير الكابتة، ويتخطاها، فإن مفهومات: (الأصالة)، و(الجذور)، و(التراث)، و(الانبعاث)، و(الهوية)، و(الخصوصية)، ومثيلاتها، تتخذ معاني مختلفة، ودلالات مختلفة، وبدلاً من مفهومات: المترابط المتسلسل، الواحد المكتمل، المنتهي، تبرز مفهومات: المنقطع، المتشابك، الكثير، المتحول، اللامنتهي، . ومعنى ذلك أن العلاقة بين الكلمات والأشياء متحولة أبداً، أي أن بين الكلمات والأشياء فراغاً دائماً لا يملؤها القول. وهذا الفراغ الذي لا يمتلئ يعني أن السؤال: (ما المعرفة؟)، أو (ما الشعر؟)، يبقى سؤالاً مفتوحاً، ويعني أن المعرفة لا تكتمل، وأن الحقيقة بحث دائم. وجوهر ذلك ان الحداثة تكون رؤية إبداعية، بالمعنى الشامل، أو لا تكون إلا زياً، ومنذ أن يُولّدّ الزيّ، يشيخ. غير أن الإبداع لا عُمر له، لذلك، ليست كل حداثةٍ إبداعاً، أما الإبداع فهو، أبدياً، حديث.