خطت الدراسات اللغوية الحديثة خطوات واسعة، وتنوعت مناهجها، وتعددت أدواتها البحثية من أجل خدمة النص وتحليله واكتشاف أسراره وأبعاده المباشرة وغير المباشرة. فلم تعد مهمة البحث اللغوي النظر في المكونات اللفظية، ولكنها تتجاوز ذلك إلى النظر في الظروف الاجتماعية والثقافية والنفسية والبيئية المحيطة بالنص وقائله ومتلقيه أثناء إنتاج الكلام؛ ما يعني أن هناك مفهوماً جديداً لقراءة النص تتسم بالعمق؛ خدمةً له وكشفاً عما يختزنه من أبعاد ومعان ودلالات.
وتُشكل نظرية السياق منعطفاً مهماً في الدرس الدلالي والتحليل اللغوي؛ فهي أولى النظريات التي عُنيت بدراسة المعنى من خلال استعمال المفردات وتسييقها، والوقوف على أنواع من الدلالات اللغوية والاجتماعية والنفسية والثقافية. وفي ضوء معطيات علم الدلالة ونظرية السياق أجريت هذه الدراسة على آيات مختارة من سورة الكهف، بهدف الوقوف على دور السياق وأثره في الكشف عن دلالات تلك الآيات. وتتكون هذه الدراسة من شقين، الأول: نظرة عامة على مفهوم السياق وأهميته في الدرس اللغوي، والثاني: التحليل السياقي لآيات سورة الكهف.